الحقّ في الحياة والکرامة الإنسانيّة ... رؤية إسلاميّة

نوع المستند : البحوث والدِّراسات.

المؤلف

الأمين العامّ لمجمع اللّغة العربيّة، وأستاذ بکلية دار العلوم، جامعة القاهرة.

المستخلص

جاء الإسلام الحنيف ليتحدّث إلى الإنسان وعنه بوصفه إنسانًا، مقرِّرًا لحقوق عامّة تسمو على الطّائفية والعنصريّة والمذهبيّة، وقد تقرّرت هذه الحقوق بهذا العموم والشّمول في المصدرين الأساسيين للإسلام، وهما القرآن الکريم والسّنة النّبويّة الشّريفة، ثمّ جاءت حضارة الإسلام لتکون شاهدة على التّطبيق العمليّ لهذه الحقوق قبل أن يتحدث المعاصرون عن هذه الحقوق أو أن يَدْعوا إليها، وقد تتبّع هذا البحث من النّصوص المؤسِّسة، ومن الوقائع المُؤيِّدة لما دعت إليه هذه النّصوص ما وضح هذه الرّؤية.
وترتکز هذه الرّؤية على جانبين: حقّ الحياة، وحقّ الکرامة الإنسانيّة.
والحقّ في الحياة: يتمثّل في ثلاث دوائر: دائرة الملکيّة، ودائرة الوقاية والحفظ والتّحريم وما يتعلّق بها من تشريعات، ثمّ دائرة الرُّخَص ورفع الحرج، والدّائرة الأولى هي الأصل، والدّائرتان الأخريان مَبنِيَّتان عليها وراجعتان إليها.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الإسلام لا يُفرِّق هنا بين الأنفس بسبب الأديان. فللنفس حرمتها، کما کان لها - من قبل - حقها في الکرامة الإنسانيّة.
أمّا حقّ الکرامة الإنسانيّة في الرّؤية الإسلاميّة: فالإنسان - بوصفه إنسانًا - له نصيب من التّکريم والکرامة، التي لا يصحّ سلبها أو العدوان عليها إلا بسبب مشروع کالإيذاء أو القتل ونحوهما مما ينال من حقوقه وکرامته بحسب ما يقع منه من عدوان. کما أنّ الإنسان أو النّوع الإنسانيّ ذو موقع مرکزيّ­ في هذا الوجود.
وهناک نوع آخر من الکرامة يمکن تسميته " الکرامة الخاصّة", وهذه الکرامة لا ينالها کل بني آدم؛ بل هي مخصوصة بفريق خاص من الناس، هم المؤمنون بالله تعالى، المُقِرُّون بوحدانيته، الباذلون جهدهم في طاعته.
وقد أوضح البحث تعدد مظاهر التّکريم في النّصوص الإسلاميّة ومنها: التّصريح المباشر بتکريم آدم وبنيه، وأنّ الله علّمه الأسماء کلّها، وأعطاه مفاتيح القدرة على معرفتها وتسميتها، وتسخيرها، واستکناه أسرارها.
کما أنّ هذا التّکريم لم يختص بالمسلمين وحدهم، بل امتدّ ليشمل أهل الکتاب من اليهود والنّصارى ولم يقتصر الأمر في الحفاظ على الکرامة على أهل الکتاب، بل إنّه امتدّ إلى غيرهم من النّاس الذين لم يکن لهم حظٌ أو نصيبٌ مماثل لهؤلاء من العلاقة بالدّين الإلهي، وينطبق ذلک على المشرکين وأمثالهم.
وقد لفت البحث النّظر في هذا السّياق إلى ملحوظتين هامّتين:
أولاهما: أن ّالإنسان - في هذه الرّؤية الإسلاميّة - يخرج إلى الوجود، ولديه الصّلاحية لفعل الخير والشّر معًا. والثّانية: هي أنّ هذه المکانة العليا التي جعلها الله تعالى للإنسان في الوجود لا تعطيه سيادة مطلقة على هذا الوجود، يتصرّف فيه کما يشاء، على هواه، دون التزام بقيود أو شروط؛ بل إنّها سيادة مشروطة بدين صحيح يصله بالله، وعبوديّة منضبطة بالقيم العادلة، والنّفع لنفسه وللآخرين.
کما يترتّب على ما سبق الدّعوة إلى احترام الذّات، الرّفق بهذه النّفس، وعدم إرهاقها بما يتعذّر عليها القيام به، وصيانتها من کلّ ما فيه تعجيزٌ لها أو إيقاعُ أي أذًى بها.
وهکذا تترسَّخ قيمة الحياة الإنسانيّة في شريعة الله تعالى، وتُصَان من کلّ عدوان أو اعتداء إلا بحقّ الله تعالى، کما ترسَّخت من قبل قيمة الکرامة الإنسانيّة، وتَکفَّلت بذلک عناصر متکاملة من العقيدة والتّشريع والأخلاق، جَمَعَت في ثناياها بين النّظر والعمل، وبين المبادئ والتّطبيق، واتَسَعَت آفاقها لتشمل البشريّة في أصل وجودها، دون تمييز أو تفريق، وإن کانت قد جَعَلَت لأهل الإيمان بالله تعالى وبشريعته مقامًا عَلِيًّا، ولکنه ليس محصورًا في جنس أو لون أو نسب أو عصبيّة، بل يناله ويرتفع إليه کلّ من يسعى إليه من بني البشر أجمعين.
لذا فقد ترتّب على هذه الرّؤية کثيرٌ من المبادئ الإنسانيّة الأخرى، کقبول الآخر، والحوار الحضاريّ، وحرمة التّعدي إلا بحق مشروع کالدّفاع عن النّفس.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية