شعر الحلاج بين الرؤية الصوفية والخطاب الشعري

نوع المستند : البحوث والدِّراسات.

المؤلف

أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية، عميد المتطلبات الجامعية، جامعة مصر للعلوم والتکنولوجيا.

المستخلص

جاءت هذه الدِّراسة لتمثِّل محاولةً لاستکناه أغوار الرؤية الصوفيَّة من خلال الخطاب الشِّعري في شعر الحسين بن منصور الحلاج، الشاعر الصوفي الکبير، الذي يمثِّل جيلَ الرُّواد من الصوفيّة، صوفية القرنين الثالث والرابع الهجريين، والذي قُتِل ضحيّة مبادئه، ودار حولَه جدلٌ کبيرٌ في الشَّرق والغرب.
وطبيعة شعر الحلاج کانت سببًا مباشرًا في اختيار عنوان هذا البحث، فشعر الحلاج لا يخرج في مجمله عن ثلاثة مناحٍ:
المنحى الأول: طرح الرؤية النَّظرية من خلال تجربة شعورية مصاحبة.
المنحى الثاني: طرح الرؤية النظرية بطريقة مباشرة تختفي فيها روح الشاعر أو تکاد.
المنحى الثالث: وصف الحالة الشعورية التي يعيشها دون تعمُّد طرح رؤية معينة. وهذا المنحى الأخير يتضمن شعر الحب والعشق الإلهي وما يصاحب ذلک من أحوال.
وعلى هذا تم تقسيم البحث إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول وهو الرؤيَّة النظريَّة في شعر الحلاج، وهو القسم الأکبر من شعره؛ حيث يتناول المنحيين الأول والثاني اللذين أشرنا إليهما، أي الشعر الذي يتبنى فيه الحلاج رؤية نظرية أو دعوة فکرية يريد أن يوصلها للناس، وهذا الفکر أو هذه الرؤية ليست سوى الرؤية الصوفيَّة للحياة والکون والتي سنعرض لقضاياها البارزة في شعر الحلاج، وأهم هذه القضايا: موقفه من الشريعة، ونظرته إلى الإنسان روحًا وجسدًا، ووحدة الأديان، وسطوة الأقدار ووجوب التَّسليم، وحيْرة العقل، وقضية المعرفة والعلم، والصحبة في طريق التَّصوف. ثم نعرض في هذا القسم إلى جانبين متَّصلين بهذه الرؤية وهما: شطحات الحلاج، ومنظوماته الملغزة.
والقسم الثاني من البحث يتناول المنحى الثالث، وهو الشِّعر الصوفي الوجداني الذي صاغه تعبيرًا عن حالته الصوفيّة من عشق وشوق وتوحُّد وتواصل، أو عن شکوى وألم وحزن. أي إنه الشّعر الذي يعبِّر عن تجربته الصُّوفية الخالصة دون أن يعمد فيه إلى طرح رؤية أو توضيح فکرة أو نشر دعوة نظرية معينة.
 أما القسم الثالث فهو يتناول الخصائص الأسلوبية لشعر الحلاج عامة من حيث الموسيقى، والمعجم الشعري، والتراکيب، والصورة الفنية، بما يساعد في تکوين صورة متکاملة عن هذا النتاج الشعري الصوفي الرائد الذي وصلنا عن الحلاج.
 بقي أن نشير إلى أن شعر الحلاج قد ورد غالبًا في سياق أخبار نثرية تمثِّل مدخلًا أو إطارًا فکريًّا يمکن أن يفيد في توجيه النَّص، ولذلک رأينا أنه من المناسب الاستعانة ببعض هذه الأخبار عند تناولنا للمقطعات الشعرية المتصلة بها.
أما عن نتائج البحث فتتلخص في النقاط التالية:
-        شعر الحلاج في التَّصوف يمثِّل بکارة التجربة الشعرية الصوفية في التراث العربي، فهو لم يصل –في مجمله- إلى مرحلة النُّضج الفني، هذا بالإضافة إلى أن بعض مقطعاته جاءت ضمن مواقف ارتجالية على نحو ما ورد بأخباره، ولذلک لا نجد فيه مزيدًا من التوظيف الفني للرمز الصوفي، مثلما فعل ابن الفارض وابن عربي وغيرهما من کبار شعراء الصوفية الذين جاءوا بعده. ولعل عدم التوفيق في توظيف الرمز الصوفي کان السبب الرئيسي وراء تلک الشطحات المباشرة التي صدمت رجال الشريعة.
-        يغلب على شعر الحلاج الجانب النَّظري الفکري، وقد أثَّر ذلک في أسلوب الخطاب الشعري؛ فبدا الشاعر في کثير من مقطعاته وکأنه شارحُ نظرية أو موضح فکرة.
-        تُعدُّ الرؤية النظرية عند الحلاج المنطلق الأساسي لشعره بصفة عامة، وتتمثل في نظرته العليا للإنسان الذي يحمل بداخله سرّ العبودية والألوهية، فهو –في نظر الشاعر- يملک إرادة لا حدود لها يمکن أن توصله إلى الحقيقة المطلقة، کما تتمثل في نظرته غير التقليدية إلى الشريعة؛ حيث جمع بين احترامه لها وتوسُّعه في فهم حقائقها، وقد عبَّر في شعره عن هذا التوسُّع بما لا تطيقه أفهام عامة الناس وبعض رجال الشريعة، فکانت الشطحات، وکان الاتهام، وکان القتل.
-        على الرغم من طغيان الجانب النَّظري في شعره عامة إلا أن للحلاج بعض القصائد والمقطعات التي عبر فيها عن تجربته الصوفية الخالصة، وبخاصة تلک التي تتعلق بالعشق الإلهي وما يصاحبه من معانٍ وجدانية.
-         نال الجانب الموسيقي حظًّا وافرًا في شعر الحلاج، فقد جاءت جلُّ قوافيه من النوع المتواتر المردف، الذي يناسب الغناء والإنشاد، وبالتالي يساعد على انتشار شعره بين الناس.
-        ظاهرة التکرار في شعر الحلاج من الظواهر اللافتة، وقد وضّح البحث أن التجربة الصوفية بشقيها: النَّظري والوجداني کانت سببًا مباشرًا في هذه الظاهرة.
-        إيثار الحلاج للمقطعات الصغيرة والثنائيات في شعره يدفع إلى القول بتأثره بنمط من الشعر الفارسي، وهو ما يُسمى "بالدوبيت" أو المثنوي، وإن لم ينظم على وزنه، بل إنه نظَّم هذه الثنائيات على الأوزان العربية المعهودة، ومع هذا، فإن ذلک يُعدُّ بداية تأثر ظاهري بالشکل العام. ومن الجدير بالذکر أن هذا التأثر قد تطور في العصور اللاحقة؛ حيث کتب الشعراء هذه الثنائيات باللغة العربية وبالوزن الفارسي.
-        حرص الحلاج في شعره على الاقتراب من أذواق العامة، ومن مظاهر ذلک: استعماله بعض العبارات المتداولة، والمصطلحات اللافتة، وأحيانًا اللغز المصطنع بتوظيف حروف الهجاء.
-        للتصوير الفني عند الحلاج دور ملحوظ في أداء الرسالة الشعرية، وعلى الرغم مما أشرنا إليه سابقًا من عدم بلوغ شعره الصوفي عامة مرحلة النضج الفني، إلا أن أداءه التصويري قد يبلغ أحيانًا مستوى راقيًا بحيث يصل إلى حد الاستشهاد البلاغي بصوره المتقنة التي تجري مجرى المثل أو الحکمة کقوله المشهور:
ألقاهُ في اليمِّ مَکْتوفًا وقالَ لهُ إيّاکَ إيّاکَ أنْ تَبْتَلَّ بالماءِ
-        وأخيرًا فإن قِلّة ما وصلنا من شعر الحلاج، والتضارب القائم حول الشِّعر الذي نسب إليه وإلى غيره في کتب التراجم، يدفع الباحث إلى التوصية بتکثيف البحث وإعادة النظر في هذا الشعر (المنسوب إليه وإلى غيره)، ومحاولة التحقق منه، لتکتمل الصورة، وتتحقق الفائدة.

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية