التِّقنِيَات الفلاحيَّة في التُّراث العربيّ تطعيم الأشجار المثمرة بين السِّمات الإنتاجيَّة والخصائص الطِّبيَّة أنموذجًا

نوع المستند : البحوث والدِّراسات.

المؤلف

الخبير بمرکز التُّراث العربيّ بجامعة مصرَ للعلوم والتکنولوجيا، ونائب مدير المرکز.

المستخلص

التُّراث العربيّ المعرفيّ أحد أهم العناصر التي تساهم في الحفاظ على الهُوِيَّة العربيّة، ويشکّل رکيزة قويّة من الرکائز التي تعتمد عليها في وجودها بين الأمم، ودليلًا على دور العلماء العرب في تطور الحضارة الإنسانيَّة وتقدمها، ولما سبق وغيره عني کثير من المؤسسات الرَّسميَّة وغير الرَّسميَّة بالتُّراث العربيّ حفظًا وفهرسة وتحقيقًا ودراسة وتأريخًا ونشرًا، لکن هذه العناية الواجبة کانت محلَّ کراهية ورفض ممَن يرون أنَّ التُّراث ماضٍ عفا عليه الزمن، وأن ما يخصص له من ميزانيات أولى بها البحثُ العلميّ الحديث الذي يمکن أن يدفعنا للأمام للحاق برکب الدول المتقدمة.
والحقيقة أن التُّراث العربيّ لم ولن يقف عائقًا أمام ما ننشده من تقدم علميّ وتکنولوجيّ، بل إن التُّراث بما يقدمه لنا من صور مشرفة في مجالات عديدة من مجالات العلوم التجريبيَّة للأجداد يمکن أن يمثِّل للأحفاد عامل دفع وتحفيز وتأسٍ وتقوية للهمم للوقوف على العوامل التي اعتمد عليها السابقون في نهضتهم العلمية للبناء عليها.
ومن العلوم التي أبدع العلماء العرب فيها "علم الفلاحة" الذي کان قبلهم مجرد ممارسة تقليدية تعتمد على الخبرات المتوارثة، فجاء العلماء العرب ليطوروها علمًا وعملًا، وأبانوا للناس سبلًا عديدة لاستنباط المياه الجوفية، وعرفوا أنواع الأراضي وما يصلح منها للزرع، وما يصلح منها لأنواع معينة من النبات، ووضعوا قواعد علمية في هندسة المياه وحفر الآبار ورفع المياه وشق القنوات، وتسوية الأرض، والري بالتنقيط، وطرق التسميد، ومواعيد الزراعة والحصاد، ومقاومة الآفات الزراعية، وطرق تخزين الحبوب والثمار، وکان من أجل ما أبدعته قريحتهم هو تطعيم النبات بغرض کثرة الإنتاج وجودته، وتنوع أشکال الثمار وطعومها وألوانها وروائحها، کما استطاعوا بالتطعيم تغيير خصائص بعض الفاکهة بإکسابها خصائص دوائية جديدة لتعالج بها بعض الأمراض التي يکره المرضى أدويتها العادية لمرارتها وصعوبة تناولها.
إن هذه التِّقنِيَات الفلاحيَّة القديمة لا يمکن إغفال دورها اليوم مع الثورة الزراعية الحديثة؛ لأن المؤکد أن الفلاحة التقليدية لا تزال تمارس بشکل کبير وعلى نطاق واسع في بلدان العالم الثالث، وعند الفلاحين ذوي الملکيات الصغيرة في الريف، وعليه فالإفادة منها أمر لا بأس به، بل المؤکد أن کثيرا من هذه التِّقنِيَات لا تزال تستعمل بشکلها القديم حتى اليوم. 

الكلمات الرئيسية