تتناول هذه الدراسة علم الدلالة، والحديث عن مبحث الدلالة يقتضي التعرض لما أُطلق عليها من أسماء، وهي في معظمها تنصرف إلى العلم الذي يدرس المعنى في جوانبه المختلفة، والشروط التي يجب توفرها لبروز المعنى الحقيقي، وعلى هذا يكون موضوع علم الدلالة كلّ شيء يعبّر عن العلامة أو الرمز، ولا شك أن أبرز تطور في الدراسة اللغوية للدلالة كان ظهور علم الدلالة التوليدي، والذي به اكتملت حلقة الدائرة التي استوعبت الدراسة النصية، مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يمكن فصل الدلالة عن بعض العلوم المساعدة كالدراسات الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية.
وترتبط الدلالة بما يمكن أن نسميه نظرية التوصيل، والتي تقتضي وجود جهاز ثلاثي هو المتكلم والمُتلقي والحدث اللغوي، ثم يُضاف إلى ذلك الرمز اللغوي بأبعاده الدلالية، حيث يقوم بإحضار صورة المخزون اللغوي إلى مجال التخاطب.
ويمكن اعتبار نظرية النظم أكبر جهد بُذل في العربية لإدخال النحو إلى مجال الدلالة، واعتبارها وسيلة فعالة في نقل المعنى من المتكلم إلى المتلقي، وخاصة في مجال الإبداع الأدبي، وقد هيأ المجال العلمي لعبد القاهر – آنذاك – أن يقدم نظريته بما فيها من اتصال بالكلام النفسي والكلام المنطوق من ناحية، وبما فيها من اتصال بالدراسات النحوية من ناحية أخرى.
بالمثل أيضًا ظهرت في الغرب نزعة نحوية ترجمتها "تشومسكي"، حيث يرفض المنهج الوصفي الذي لا يتحرك إلا على السطح اللغوي، واهتم بالمظهر الإبداعي للغة من خلال الاستعمال بما يعني أن طبيعة المتكلم تملك نوعًا من النحو التوليدي الذي يجيء لها امتلاك لغتها الخاصة.