قصيدة عمارة اليَّمني في رثاء الدَّولةِ الفاطميَّة بَيْنَ التَّحليل الأدبيِّ والرُّؤيَة التَّاريخيَّة

نوع المستند : البحوث والدِّراسات.

المؤلف

أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية، عميد المتطلبات الجامعية، جامعة مصر للعلوم والتکنولوجيا.

المستخلص

تکمن أهمية هذه الدراسة فيما يمکن أن يضيفه تحليل النص الأدبي إلى المعرفة الإنسانية من حقائق نابضة بروح الشاعر، فهي أشبه ما تکون باللوحة الأثرية أو النقش القديم الذي يحرص العلماء على اکتشاف مکنوناته وقراءة محتوياته، بيد أن النص الأدبي يزيد على ذلک بما نستطيع أن نتلمسه من خلاله من الجوانب النفسية والاجتماعية التي يزخر بها فن الشعر عبر الطاقات الدلالية والإيحائية لکلماته وعباراته وصوره، فلغة الشعر لغة مُحَمَّلة، لها أبعادها وتداعياتها التي يُفَضَّل أن تدرس في نطاق عصرها.
وتتمثَّل خصوصية هذه القصيدة في ثلاثة أمور:
أولًا: قلة المصادر التاريخية التي تتحدث بإنصاف عن الدولة الفاطمية صاحبة هذه القصيدة، والتي تعدُّ أول خلافة إسلامية اتخذت مصر عاصمة لها، وقد اصطلح المؤرخون على تسميتها بـ"الدولة المصرية" لحرص خلفائها أنفسهم على تسمية دولتهم بهذا الاسم. والفاطميون هم مؤسسو القاهرة والجامع الأزهر، وعلى الرغم من اختلاف مذهبهم الديني (الشيعي) عن مذهب المصريين (السني) فإنهم لم يکرهوا المصريين على اعتناق مذهبهم کما سيبيِّن البحث، بل استطاعوا أن يکسبوا حب الشعب بما قدموه من إنجازات حضارية أرسوا دعائمها في مصر، ومع ذلک، فقد حاول صلاح الدين الأيوبي محو تاريخ هذه الدولة وآثارها لأسباب سياسية تعود في مجملها إلى مناصرته للخليفة العباسي في بغداد، ورغبته في تأسيس دولة جديدة في مصر والشام يحکمها هو وأسرته تحت مظلة الخلافة العباسية.   
ثانيًا: أنها قيلت في رثاء دولة زائلة -هي الدولة الفاطمية- وقالها الشاعر في عهد دولة معادية -هي الدولة الأيوبية- حاولت أن تمحو مذهبها وآثارها، فالقصيدة هنا أقرب إلى الموضوعية من غيرها الذي قد ينظم مدحا في ظل دولة قائمة أو في ظل حاکم قائم.
ثالثًا: أن هذا الشاعر "عمارة اليمني" کان شاعرًا سنيًّا متعصبًا للسُّنة کما ذکرت المصادر، وصحيح أن هذه الدولة أکرمته غاية الکرم، ولم تفعل دولة بني أيوب معه مثلما فعلت، ولکن هذا لا يقوم دليلًا على أنه تجاوز حد الاعتدال في وصفه مآثرها. فالمعروف عن الشعراء المادحين المبالغين المجاملين أن شعرهم عند الرجاء يکون أقوى من شعرهم عند الوفاء. وعلى کل حال، فالرجل قد دفع حياته ثمنا لهذا الوفاء؛ حيث شنق مع ثمانية من الأعيان في عصر صلاح الدين الأيوبي بدعوى أنه تآمر على إعادة الحکم للبيت الفاطمي.
وقد اقتضت طبيعة هذه الدراسة أن أمهد لها بمهاد تاريخي موجز، يوضح کيفية قدوم الشاعر إلى مصر، وکيف تبوأ مکانا مرموقًا لدى الدولة الفاطمية ووزيرها طلائع بن رزيک، وکيف انتهى به الحال. ومدى الشهرة التي نالتها هذه القصيدة موضوع البحث کما ورد بالمصادر التاريخية التي أرَّخت لهذه المرحلة.
ثم أتناول بعد ذلک القصيدة کوثيقة أدبية تاريخية، نستنبط من خلالها ما اکتنّ في النص الأدبي من رؤى وحقائق تاريخية إنسانية، تسهم في دعم النص التاريخي أو توجيهه إلى أقرب ما يکون من الموضوعية، بعيدًا عن المجاملات السياسية، کامتداح دولة قائمة، أو النيل من دولة منصرمة.
وهذا التحليل –وإن کان المضمون التاريخي ضمن مقاصده– قد انطلق من النص الأدبي، فوقف عند مستويات اللغة ودلالتها المباشرة وغير المباشرة من صوت ومفردات وتراکيب وصور، ولکن جاء هذا کله في إطار التقسيم الفکري على ستة مشاهد حسب مقتضيات الصياغة الفنية للقصيدة. وهذا هو المنهج الذي سلکه البحث ليصل من خلاله إلى ما أراد الشاعر أن يوصله إلى الناس وفاء لهذه الدولة التي قلما وجدت منصفا من المؤرخين يشهد لها بموضوعية بعيدًا عن التعصب المذهبي الذي اشتد أواره في عهد الأيوبيين، والذي کان قد أذکاه خلفاء بني العباس قرابة ثلاثة قرون يتحينون الفرص لمحو هذه الخلافة الفاطمية التي سميت بـ " الدولة المصرية".

الكلمات الرئيسية

الموضوعات الرئيسية